خسائر عربية كبيرة بسبب التبغ
مع كل العبارات التحذيرية التي تحملها منتجات التبغ مثل “التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة” و”التدخين لفترة طويلة يؤثر على العلاقة الزوجية” وغيرها، نجد أن أعداد المدخنين في الدول العربية في تزايد عاماً بعد عام، وينفقون أموالاً طائلة تتعدى انفاقهم على مستلزمات المعيشة الضرورية.
الأدهى في هذه المشكلة “الكارثة” هي الزيادة المضطردة في أعداد المدخنين من الأطفال والنساء العرب، ففي مصر مثلاً، أشارت دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن عدد المدخنين يزيد على 20 مليون خمسهم من الأطفال دون الثامنة عشر، وتنفق القاهرة نحو مليار دولار سنوياً لعلاج الآثار المباشرة والغير مباشرة للتدخين، وتضيف الدراسة أن الدول العربية مجتمعة تستورد نحو 200 مليار سيجارة سنوياً.
وفي الإمارات، ورغم إقرار قانون “مكافحة التبغ” أوائل العام الحالي والذي بمقتضاه يحظر التدخين في الأماكن العامة والمستشفيات وأثناء قيادة السيارة الخاصة حال وجود طفل لا يتجاوز الثانية عشرة عاماً، مع فرض غرامات كبيرة وعقوبات قد تصل للسجن بالمخالفين، إلا أن وزراة الصحة الإماراتية ذكرت أنه هناك نحو 20% من السكان يدخنون، ونسبة النساء المدخنات وصلت نحو 2.9% والأطفال الذين لا تتجاوز أعماهم خمسة عشر عاماً بلغت 25% وينفقون قرابة 400 مليون دولار سنوياً.
وكذلك الحال في تونس حيث تتجاوز نسبة المدخنين 30% من السكان، وفي المملكة السعودية، يوجد قرابة 5 مليون مدخن ومليون مدخنة، وينفقون 8 مليار دولار سنوياً على شراء 15 مليار سيجارة.
إن الجهود العربية في مجال مكافحة، آفة العصر، تتخذ أشكالاً عديدة منها فرض الغرامات على التدخين في الأماكن العامة وفرض مزيد من الضرائب على الشركات المنتجة وزيادة أسعار التبغ بين الحين والآخر.. كلها لم تستطع وضع حلاً لهذه المشكلة الفتاكة وكل يوم تستطيع شركات النيكوتين جذب عملاء جدد!
المسؤولية تقع بصورة كبيرة على الحكومات أكثر من المدخنين أنفسهم، ليتبادر السؤال: لماذا يسمح العالم العربي بدخول التبغ والسجائر إلى أراضيه ويسمح للمصانع المحلية المنتجة للدخان بممارسة نشاطاتها، في الوقت الذي يعرف فيه حجم المخاطر الصحية والنفسية والبيئية الناتجة عن التدخين؟
الدكتور عبد الرحيم ملحس، وزير الصحة الأردني السابق، يقول: “السبب اقتصادي، إذ أن الحكومات تأخذ ضرائب كبيرة، يردها كميات كبيرة من الأموال نتيجة الضرائب الموضوعة على الدخان، علاوة على النفوذ الكبير لشركات التبغ في الضغط على الحكومات ونفوذها في الترويج إلى التدخين موضوع الشركات”.
إن نفوذ شركات التبغ يذكرنا بالواقعة التي حدثت عام 1992 عندما قام مندوبون من شركة “فيليب موريس” الأمريكية المتخصصة في إنتاج السجائر بزيارة إلى الجنود الامريكان المرابطين في الصحراء السعودية في انتظار قرار الحرب، وقاموا بتوزيع سجائر مجانية على الجنود، وهو ما قوبل باستياء منظمات حقوقية أمريكية وهددت برفع دعوى قضائية ضد الشركة، وكانت النتيجة أن رضخت الشركة للتهديد وأمتنعت عن التوزيع المجاني للسجائر.
وفي عام 2003 استطاعت منظمة الصحة العالمية بإجماع الأعضاء توقيع اتفاقية التبغ والتي دخلت حيز التنفيذ في 2005/2/27 والتي يلتزم أعضاؤها بحظر إعلانات الترويج للتبغ وفرض ضرائب كبيرة على منتجات التبغ وحظر بيعه للأطفال دون الثامنة عشر وتقديم مساعدات للراغبين في الإقلاع عن التدخين.
وحتى الآن إنضمت إلى الاتفاقية (التي تعد الأولى من نوعها عالمياً في مجال الصحة العامة) نحو 168 دولة، أنشأت فيما بينها لجاناً مشتركة ومجموعات اتصال للتنسيق في مجال محاربة التدخين وانضمت منظمات المجتمع المدني في تلك الدول لتحقيق الهدف ذاته، ورغم إنضمام عدد من الدول العربية إلى الاتفاقية إلا أنها لم تتخذ حتى الآن خطوات ملموسة في تطبيقها حسب الأهداف الموضوعة من أجلها.
وقد بدأت الاتفاقية تؤتي ثمارها في الدول المتقدمة حيث انخفضت اعداد المدخنين بصورة كبيرة، إذ كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة ميتشيجان الأمريكية أن معدل التدخين بين المراهقين انخفض إلى أقل من النصف عما كان عليه في منتصف التسعينيات في حين انخفض تعاطي المراهقين للمخدرات بمقدار الثلث، وفسرت الدراسة أن ارتفاع أسعار السجائر والاعلانات المناهضة للتدخين من بين الاسباب التي أدت الى ذلك.
إن الحكومات العربية عليها أن تتصدى لظاهرة التدخين (الموت البطئ)، بكل الوسائل، وأن تتعاطى مع المشكلة من الناحية الصحية بدلاً من الحسابات الإقتصادية التي تنظر فقط إلى حجم الضرائب التي تدفعها شركات التبغ وهي أمولاً ضئيلة جداً بالمقارنة بالميزانيات الضخمة التي توفرها هذه الحكومات لعلاج الآثار الناتجة عن التدخين.
الطريق ليس صعباً لكنه يحتاج إلى توافر الإرادة السياسية القادرة على الوقوف أمام “مافيا” النيكوتين التى هجرت الدول المتقدمة جراء التضييق عليها وإتجهت للدول النامية لتجد فيها ضالتها المنشودة، حيث غياب الرقابة الحكومية وضعف الثقافة الصحية ووهن منظمات المجتمع المدني المعنية.